من غرفة العلاج الكيميائي... إلى عناق المجد الأوروبي
في ملعب "جوزيبي مياتزا"، حيث تختلط أنفاس الجماهير بصرخات الحماس، ظهر فرانشيسكو أتشيربي الرجل الذي اعتاد مواجهة المستحيل ليسجل هدفًا قاتلا في مرمى برشلونة، هدفا لم يكن مجرد رقم يلمع على لوحة النتائج، بل كان رسالةً محفورة بالإرادة ، و قصة انتصار.. الانتصارالذي منح إنتر قبلة الحياة ودفعهم إلى النهائي الأوروبي. كان له رمزية اخرى متمثلة بالقصة الإنسانية التي تقف خلف هذا المحارب الذي هزم برشلونة وهزم المرض، مرتين.!
فرانشيسكو أتشيربي، ابن الـ38 عامًا، بالنسبة لي هو بطل ليلة إنتر وبرشلونة، ليس فقط لأنه أعاد الأمل بفريقه بهدف التعادل الذي اعاد انترللمواجهة في اللحظات الاخيرة قبل الصافرة ، بل لأنه أعاد تعريف ما تعنيه عبارة:" لا ياس مع الحياة ولا حياة مع الياس "
رجل من رماد التجربة
في عام 2013، وبينما كان أتشيربي يستعد لمغامرة جديدة في مسيرته الكروية، حمل له الفحص الطبي خبرًا لم يكن في الحسبان: سرطان الخصية.! بدا وكأن الأرض تبتلعه. خضع لعملية جراحية، وظنّ أن المعركة انتهت، لكن المرض عاد بعد أشهر ليمتحن قوته من جديد. تلك الفترة كانت كابوسًا: اكتئابٌ طويل، هروبٌ إلى الكحول، وشعورٌ بالضياع جعله ينسى لماذا كان يمسك بكرة القدم أصلاً. لكن في لحظة يأس، بين جلسات العلاج الكيميائي، رأى حلماً غيّر مساره… ظهر له والده الراحل في الخلم
يقول أتشيربي:
"رأيت والدي الراحل في حلم.، حين استيقظت، عرفت أن عليّ أن أتغير."بحسب تقرير نشرته سكاي سبورت ، فإن أتشيربي اكتشف إصابته بالسرطان في 2013، لكنه خاض العلاج بشجاعة وعاد للملاعب بعد فترة قصيرة، ليصبح رمزًا للإصرار في الكرة الإيطالية.
من الموت... إلى النهائيات الكبرى
العودة لم تكن سهلة ابدا ، كأن كل ما سبق مجرد مقدمة طويلة للحظة النهوض.بدأ من الصفر، في دوريات متواضعة، كأن سنوات مجده السابق لم تكن سوى إحماءً لمعركته الحقيقية. فبعد تعافيه من المرض قاد اتشيربي نادي ساسولو للصعود التاريخي إلى الدرجة الأولى، وأعاد بناء نفسه نفسًا نفسًا، ومباراةً مباراة.
ثم حمل قيادة المنتخب الإيطالي نحو تتويج تاريخي في يورو 2020
وفي 2023، وفي عمر يُنهي فيه معظم اللاعبين مسيرتهم، كانت النقلة الكبرى حيث انتقل إلى إنتر ميلان، فريق البطولات والطموح، وخلال وقت قصير فاز معهم "بالسكوديتو"
لكن كل ذلك لم يكن كافيا …
عن انجازاته والمشاعر المتناقضة تلك الفترة يقول اتشيربي :
"السرطان أنقذني. أعاد لي بصيرتي. جعلني أفهم معنى الحياة من جديد."
عندما توقف الزمن !
هدفٌ قاتلٌ في اللحظات الحاسمة كمن يعطي قبلة الحياة لمدينة كاملة سجل اتشيربي هدفا على طريقة عظماء المهاجمين مع انه المدافع العجوز هدفٌ حمل توقيعه، بعنفوان المحارب، بصلابة من مرّ على الحافة بقدم غير مرتعشة اعلن اتشيربي ان انتر لا يموت بل يقوم من بين الرماد كالفينيق عائد للحياة تماما مثل عودته من مرضه مرتين .
"هي من علمتني أن المعنى الحقيقي للقتال هو أن تحمي من تحب".
قائد بلا شارة لكنه بصلابة الجبال
حين انضم لإنتر بعمر الـ35، لم يراهن عليه أحد. لكنه أثبت أن الإصرار لا يتقادم. حجز مكانه الأساسي، فاز بالسكوديتو، ثم عاد في موسم الأبطال ليصنع الفارق أمام أعين العالم، ليس فقط بصلابته الدفاعية، بل بهدفه التاريخي.رجل يلعب كرة القدم كما يعيش الحياة: بكل ما أوتي من إرادة. يركض رغم الجراح، ينهض رغم السنين، ويؤمن أن ما لم يقتلنا، هو حقًا يصنعنا.
في تصريح سابق قال تشيربي مرة :"أتمنى أن ألعب حتى الـ38، بعدها سأصبح مدربًا."
وها هو اليوم وهو على مشارف 38 عامًا، يلعب نهائي دوري الأبطال مع إنتر، ويحقق حلمه الأخير كلاعب، قبل أن يفتح بابًا لحلم جديد.
العثرات ليست النهاية بل البدايات الجديدة
تشيربي لا يلعب لكي يثبت أنه الأفضل، بل يلعب ليخبر كل من يعاني: "النهايات لا وجود لها… فقط هناك عثرات تُعلّمك كيف تصنع من الألم سلماً للصعود". وقبل أن يطوي صفحة كلاعب، يعد الجميع بفصل جديد… ربما من على مقعد المدرب، حاملاً نفس الروح التي حوّلت رماد تجاربه إلى نارٍ لا تنطفئ.
هذه ليست قصة كرة قدم… إنها إثبات أن الإنسان أقوى من أي رقمٍ في التاريخ، وأعظم من أي لقب.إنه درس مفتوح في الصبر، ومقال حيّ في قوة الإرادة، وصفحة ناصعة في كتاب كرة القدم... صفحة تبدأ بجملة واحدة:
"لا شيء انتهى.. طالما ما زلت تقاتل."