اختبار ستانلي ملغرام
هل سألت نفسك يوما , الى أي مدى يمكن أن يصل الانسان باذعانه وخضوعه للسلطات أو بتوحشه ؟ وهل كل انسان فيه شر كامن يوقظه البعض بينما يسيطر عليه آخرون ؟ لعل هذه المقالة تجيب عن هذه الاسئلة وغيرها مستعينة بما يعرف ب " تجربة أو اختبار ستانلي ملغرام"
 |
| تجربة ملغرام |
توطئة
يقول الحق تبارك وتعالى : " ان النفس لأمارة بالسوء " وهو الخالق والمنشئ لهذا الكون والعارف بخلقه فيقول عنهم أن في أنفسهم بذرة شر ان هم انصاعوا لها شوهت سريرتهم الطاهرة وأفسدت نقاء قلوبهم وأيقظت فيهم الشر الكامن فحولتهم لوحوش تعصي وتتجبر وتظلم وتقتل وتسرق وتتمادى في الطغيان وتخضع وتنصاع لقوى لشر من حولها ,
اذا فالانسان مخلوق طاهر نقي بجبلته الاولى لكن فيه بذرة شر في اعماق نفسه ان سمح لها أن تسيطر عليه ستطلق وحشا كامنا فيه قد يفعل الاعاجيب , فما الذي يمنع أو يسمح بذلك وما هي حدود انصياع الانسان لقوى الشر والسلطة ؟
من هنا قررنا أن نسوق لكم اليوم وبشرح موجز شيء عن اختبار ستانلي ملغرام لعله يجيب عما سبق .
من هو ستانلي ملغرام ؟
ملغرام المولود في أغسطس من عام 1933 والمتوفى في ديسمبر عام 1984 هو عالم أمريكي مختص في علم النفس الاجتماعي , له بحوث ودراسات ومقالات متنوعة أشهرها على الاطلاق تجربته في فهم الخضوع والاذعان للسلطات التي قام بها في ستينات القرن الماضي المعروفة باسم " اختبار ملغرام" وتجربته الاخرى المسماة " العالم الصغير " والتي تتعلق بميكانيكيات الشبكات الاجتماعية .
 |
| ستانلي ملغرام |
تجربة ستانلي ملغرام " اختبار ملغرام "
في عام 1963 فدم ستانلي مقالة أسماها " دراسة سلوكية في الطاعة " تحدث فيها عن مفهوم الانصياع للسلطات , ثم عاد وقدمها بشكل مطول ومفصل في كتاب أسماه " الانصياع للسلطة , نظرة خارجية " كان الهدف الاساسي من الدراسة فهم تأثير أوامر السلطة على الافراد ومدى انصياعهم لها حتى لو جاءت بأوامر تتناقض مع ضمائرهم ونظرتهم من بعدها الانساني لمن حولهم ,
كان ملغرام يهدف بشكل رئيس من وراء التجربة والدراسة الى ايجاد اجابة عن سؤال كان يدور بخلده ردحا من الدهر مفاده ببساطة : " هل تجاوز دور الجنود الذين نفذوا الهولوكوست اطاعة الأوامر الى الشراكة في الجريمة "
بالطبع ملغرام اراد الاجابة عن سؤال الهولوكوست هذا بالذات لانه كان متأثرا جدا بأحداث ومحاكم جرائم الهولوكوست في حينه .
 |
| تجربة ملغرام |
كيف جرت التجربة
أصدر ملجرام بالتعاون مع جامعة نييل اعلانا في الجريدة يطلب فيه متطوعين ذكور تتراوح اعمارهم ما بين 20 - 50 عام للمشاركة في دراسة للجامعة
عندما حضر المتطوعون كان بانتظارهم غرفة فيها ممثلين للتجربة (لايعرف عنهم المتطوع ويظنهم متطوعين مثله) بحيث يجب أن يجلس المتطوع الحقيقي على كرسي للتحقيق يفصل بينه وبين الذي يتم التحقيق معه ( الممثل الاول ) ستارة عازله للرؤية ولا تعزل الصوت ويجلس بجانب المتطوع شخص مشرف يعطيه الأوامر ليحقق مع الممثل خلف الستارة
فكانت عناصر التجربة كالتالي
- الاول يمثل دور الذي سيتم التحقيق معه وهو يجلس على كرسي موصل به اسلاك كهربائية ( بالطبع كانت مجرد اسلاك ليس فيها كهرباء انما المتطوع فقط كان يعتقد ان بها كهرباء )
- الثاني كان يلعب دور المشرف على المحقق ( المتطوع ) الذي سيعطي الاوامر للمحقق ليزيد من حدة تيار الصعق خلال طرح الاسئلة على الممثل الاول
- الثالث وهو الشخص الوحيد المتطوع فعلا وهو الذي تجري عليه الدراسة ولا يعرف شيء عن التجربة وكل دوره يتمثل في طرح الاسئلة على الممثل الاول ويصعقه بالكهرباء بناء على اوامر الممثل الثاني
 |
| تجربة ملغرام |
نتائج التجربة
جاءت نتائج التجربة صادمة ومرعبة ومفزعة فقد أظهرت النتائج أن 65% من المشاركين استمروا بالانصياع للأوامر في تعذيب الممثل الأول بالكهرباء لأقصى درجات الألم وذلك بعد تحفيزهم من قبل الممثل الثاني ( المشرف ) على رفع شدة التيار واقناعهم أنه يتحمل المسؤولية وأنهم مجرد منفذون للأوامر
تفسيرات ملغرام للتجربة :
أن البشر يتخذون موقف من اثنين في ظرف اجتماعي مشابه لظروف التجربة :
- الحالة المستقلة : الاشخاص يقومون بأعمالهم الخاصة ويتحملون نتائج اعمالهم هذه
- الحالة بالوكالة : حين يشعر الاشخاص بانتفاء المسؤولية عنهم فيعملون كوكلاء لارادة اشخاص آخرين
خلص ملغرام الى أن الطاعة في جوهرها تكمن في أن المطيع يعتبر نفسه خال مسؤولية بالضرورة فهو ينفذ أوامر شخص آخر فيتخلى عن ارادته ليسهل عليه تنفيذ ارادة الآخرين بما فيها من أوامر قد تتناقض مع ضميره ومشاعره وما يؤمن به فلا يؤنبه ضميره لتنفيذ أوامر قاسية واجرامية
خلاصة
ان ملغرام بسلسلة تجاربه حول السلوك الاجتماعي والتي لا يتسع المقام هنا لتفصيلها قد ترك لنا اجابات عن تساؤلات عدة حول مدى شراكة الذي ينفذ الأوامر بالجريمة خاصة الجنود في المعارك وعن مدى التوحش الذي قد يصل اليه الانسان ان كان في ظروف اجتماعية مهيئة وعن اثر ذلك كله على حياتنا وواقعنا الصعب والمعقد ,
فكان لزاما علينا طرح هذا الموضوع لاهميته وليفتح لك باباً تراجع به نفسك ان كنت وقعت بطريقة أو باخرى في ظروف اجتماعية مشابهة للمتطوعيين في تجربة ميلغرام سواء كنت في دور المشرف او المحقق او حتى الضحية .
فيديو توضيحي كامل للتجربة
.....
أحمد أبوعلي
أحمد أبوعلي