recent
أخبار ساخنة

رحلتي مع إعادة بناء مدونة أوغاريت بعد خمس سنوات من الإغلاق

 رحلة العودة إلى عالم التدوين


قبل اكثر من خمس سنوات بقليل ، كانت "أوغاريت" مجرد فكرة  تدور في ذهني ، طارئ في المخيال المتسع للكثير ، تجيئ وتروح ، هي والأسئلة ،في الحقيقة  كثير من الاسئلة .

قصة مدونةاوغاريت

 هل يمكن ؟ ماذا لو ؟ هل هناك متسع لي ؟ كيف لمن يعمل في مجال البناء وقد ترك المحابر والأقلام منذ زمن طويل أن يكون له صوت في عالم التدوين ؟ كيف أزاحم العالمين في الفضاء الرقمي المهول بين آلاف بل ربما مئات آلاف المدونين ؟! 

لكني بالنهاية اخذت القرار ، أن أسبر أغوار هذا المجال الغريب، الذي كان يشبه عالمًا بعيدًا عني تمامًا في تلك الفترة ، لان شيئًا ما في داخلي كان ينبئ بأن هنالك دائما متسع للفكرة . 

كانت البداية متواضعة، مجرد محاولات خجولة نصوص تعكس فكري وما اؤمن به . ولكن شيئًا فشيئًا بدأت تأخذ شكلا رتيبا ومتوازنا ومنظما، ومع مرور الوقت، تحول  الموقع إلى أكثر من مجرد فكرة؛ أصبح مساحة تعبّر عن تاريخنا وثقافتنا، تعبر عن فلسطين كما احب ان اكتب عنها.

باختصار ميلاد "أوغاريت" كان ميلادًا للمخيلة، وعودةً إلى الماضي في زمنٍ غابر، لا لسرد القصص فحسب، بل لنعيد اكتشاف أرواحنا وأصولنا من خلال ما تبقى من الذاكرة. كانت البداية متعثرة، لكن الحلم كان أكبر.

لاشيء مستمر للأأبد !  

تعظم في راسك المشكلات وتتلاطم بك الحياة في موج المسؤوليات والأعباء وفي غمرة ذلك تسقط منك أحلام ورؤى وابتسامات وانتصارات صغيرة وغيرها ، من بين كل ذلك ضاعت أوغاريت وغرقت في بحر النسيان والزهد عنها توقف كل شيء. أغلقت الصفحة، وتوقفت الأفكار، وغاب الحلم . ومع مرور الوقت، أصبح واضحًا أن كل شيء يتغير، وأنه لا يوجد شيء مستمر للأبد. لكن رغم الصمت الطويل، كان هناك دائمًا شعور داخلي، يدفعني للعودة والوقوف من جديد على تلك الأرض الرقمية.

ديمومة الانبعاث ! 

اليوم، أكتب هذه السطور بعد أكثر من شهر من إعادة فتح المدونة، وعندما قررت إعادة إحيائها، كنت على يقين أن الطريق لن يكون سهلاً. قد أواجه تحديات كثيرة، من التحديثات التقنية إلى المعايير الصارمة في فضاءات ترحب بالاقوياء اكثر، ولكنني كنت على استعداد للقتال من أجل حلم صغير كان يومًا ما جزءًا مني، الامر حدث في يوم من أيام أواخر مارس 2025، بينما كنت أتنقل بين مواقع شراء النطاقات دون هدف واضح، لفتني شيء أشبه بالمعجزة الصغيرة: "ougaret.com" عاد متاحًا، كأنه كان ينتظرني في الزاوية بصبر قديم. لم أصدق عيني للحظة، وكأن الزمن انثنى على نفسه ليعيد لي ما فقدته ذات يوم. بلا تردد، وبقلب يخفق بلهفة البدايات، مددت يدي نحو حلمي القديم وأعدت شراءه.

وهكذا بدأت رحلة الإعمار من جديد. لم يكن الطريق مفروشًا بالورود. واجهتني العثرات عند كل منعطف؛ ربط النطاق ببلوجر كان أشبه بمحاولة وصل خيوط مقطوعة، والأرشفة كانت معركة خفية مع الزمن ومحركات البحث. كان عليّ أن أتنفس الصبر، أن أتعلم من جديد كيف أعيد بناء مدونة تهب الحياة للكلمات، وتجعل من الحلم المهجور بيتًا مأهولًا بالمعاني.




تحديات زمن التغيرات

لم يعد التدوين في 2025 يشبه ذاك الحلم الوديع الذي عرفناه في 2020. تبدلت الأرض تحت أقدامنا، واشتدت الريح، وأصبحت المعايير أكثر قسوةً، والشروط أثقل وطأة. لم يعد يكفي أن تكتب مقالة جميلة أو تحمل بين يديك فكرة متقدة. صار لزامًا أن تتقن عُدّة كاملة من المهارات، أن تمشي على حبال مشدودة بين قواعد صارمة لا ترحم: جودة المحتوى، أصالته، ملاءمته، تفاعله مع القارئ، وحتى عمر الدومين أصبح حجرًا في ميزان القبول.

لم تعد الكتابة وحدها تصنع المجد كما كان يُقال في الأمس القريب. اليوم، أنت مطالب أن تكون الكاتب، والمسوق، والمطور، ومدير المحتوى، والملاحق دومًا لتقلبات خوارزميات لا تهدأ ولا تستكين. في زمنٍ تتغير فيه القواعد مع كل شروق، صارت رحلة بناء مدونة رحلة في مهب الريح؛ سباق ماراثوني طويل لا يُكمل طريقه إلا من كان صبورًا، عارفًا، ومؤمنًا بما تكتبه يداه، وما تحمله روحه من شغف لا يخبو.



الحلم لايموت! 

رغم كل شيء، ورغم قسوة البدء من العدم، أدركت أن العودة، مهما بدت شاقة، أعظم من أي انتصار يأتي سريعًا عابرًا. مضيت أعيد بناء "أوغاريت" مقالةً إثر أخرى، وكلمةً فوق كلمة، كما يغرس الفلاح شجرة في أرض عطشى، لا يملك فيها إلا رجاء المطر وصبر السنين.

على هذا الدرب الطويل، علمتني التجربة أن الصبر أثمن من أية مهارة، وأن الإيمان بالفكرة هو الوقود الحقيقي الذي لا ينضب مهما طالت المسافات واشتد التعب.

واليوم، وأنا أنسج هذه الكلمات بيدٍ لم تكلّ، وقلبٍ لم ييأس، أشعر أنني أقرب إلى حلمي الأول من أي وقت مضى. أدركت أن الأوطان الرقمية، شأنها شأن أوطاننا على الأرض، لا تُبنى إلا بالعرق، والتضحيات، وبحبٍ كبيرٍ يشبه الإيمان ذاته، لا يضعف ولا يخون.

من بين الركام: رسالة إلى من يخشون البداية

سواء كان بقصد مني او بدون فانا هنا لم أكن أكتب حكاية "أوغاريت" وحدها، بل كنت أنسج قصتي مع البدايات، مع الإصرار، ومع شرف المحاولة. أردت لهذه الكلمات أن تكون أكثر من مجرد سرد لتجربة شخصية؛ أردتها أن تكون دعوة مفتوحة لكل من تردّد على عتبة حلمه، وخاف أن يخطو أول خطوة.

كتبت هذه القصة لكل شاب يتساءل: هل أبدأ؟ هل أنا قادر؟
لكل قلب يتردد بين الأمل والخوف، ولكل يدٍ ترتجف قبل أن تغرس بذرتها الأولى في تربة الطريق الطويل.

التدوين ليس مجرد كلمات على صفحة، بل هو بناء وطن صغير من الأفكار، وطن لا تصادره الرياح ولا تمحو ملامحه السنون. وفي هذا العالم المتغير الذي يُغرقنا بالسرعة والضجيج، يبقى التدوين مساحة حرة للروح، ورسالة هادئة للعالم: "أنا هنا... ولي صوتٌ لن يصمت".

فإلى كل من يفكر أن يبدأ، لا تنتظروا اكتمال الظروف ولا نضوج الحلم. ابدؤوا الآن، بما تملكون، حيث أنتم، فالحياة لا تهب فرصها إلا لأولئك الذين يؤمنون بأن كل بداية، مهما كانت متواضعة، قادرة أن تصنع مجدًا لا ينسى.


google-playkhamsatmostaqltradent