العمارة كأداة استعمارية للهيمنة
جغرافيا السيطرة: كيف تُبنى القوة؟
لطالما ارتبطت السيطرة السياسية بالمكان. ليس من خلال الجيوش وحدها، بل عبر تفاصيل تخطيط المدن، تنظيم الطرق، توجيه الأبنية، وتوزيع الخدمات.في الضفة الغربية، تتحول كل مستوطنةٍ إلى حصنٍ يطلُّ من التلال كعيونٍ مراقبة، تُجزِّئ الأرض إلى جزرٍ معزولة، وتُحوِّل الجغرافيا إلى سجنٍ مفتوح. الطرق الالتفافية هنا ليست مجرد مسارات، بل خيوط عنكبوتٍ تحاصر الفلسطينيين، بينما تُسهِّل حركة المستوطنين كسيلٍ لا يعترضه حاجز.
من الجزائر إلى جنوب أفريقيا، لعبة استعمارية قديمة
استخدم الاحتلال الفرنسي التخطيط الحضري كوسيلة لمحاصرة المقاومين؛ أعاد توطين السكان في قرى جديدة مسيطر عليها أمنيًا، وقطع بذلك الروابط الاجتماعية والاقتصادية بينهم. وكذا فعل المستعمرون في جنوب افريقيا ، حيث لعبت المدن دورًا مركزيًا في نظام الأبارتهايد. أحياء كاملة بُنيت لعزل السود عن البيض، ومنع أي تداخل سكاني أو ثقافي. العمارة هناك لم تكن مجرد بناء، بل أداة فصل وقهر.وعليه ففلسطين ليست استثناء ، انما هي سياسة استعمارية واحدة تمارس منذ زمن طويل .
البنية التحتية: سلاح يلبس ثوب التطوير
في وثائقي مثل "عمارة التمرد" (الجزيرة الوثائقية) كيف تصبح العمارة وسيلة حرب. الجدران، البوابات، الأبراج، الممرات الضيقة، وحتى نوع الإسمنت ولونه، تُستخدم لتوجيه حركة الناس، التحكم في مساراتهم، وترسيخ الإحساس بالعجز والخضوع. حتى الجدران تُصمَّم لخدمة الاحتلال. الجدار العازل في فلسطين لا يفصل بين الأرض المحتلة والمستعمِر فحسب، بل يبتلع مزارع الزيتون، ويُحوِّل القرى إلى غرفٍ مغلقة. الحواجز العسكرية بأبوابها الضيقة، والأبراج المرتفعة التي تُطلُّ على البيوت، كلها تفاصيل تُذكِّر الفلسطيني بانه تحت المجهرتصميم مداخل المدن والقرى الضيقة المصممة لإبطاء المرور. أبراج المراقبة التي تفرض حضورًا بصريًا دائمًا.كل ذلك بقصد وغاية وليس متروكا للصدفة .
كما أوضح الباحث إيال وايزمان في كتابه Hollow Land، فإن العمارة في الأراضي الفلسطينية المحتلة تستخدم كسلاح يُعيد تشكيل الجغرافيا لخدمة الاحتلال (Al Jazeera).
من شعفاط إلى جنين، الهدم كاستراتيجية معمارية
ما يجري حاليا في الضفة الغربية عموما وفي مخيمات الشمال بشكل خاص - مخيمات جنين وطولكرم - يعيدنا إلى جوهر هذه الفكرة. ليست عمليات الهدم المتكررة والعنيفة مجرد ردود فعل أمنية، بل هي جزء من منظومة معمارية استعمارية تهدف إلى تفكيك البنية الحضرية للمخيمات، ونزع معناها السياسي والاجتماعي،استراتيجيةٌ لطمس الهوية. عندما تتدمر شبكات المياه والكهرباء، وتُسوَّى الشوارع بالأرض، لا يموت الناس فقط تحت الأنقاض، بل تموت ذاكرتهم. المخيمات ليست أكواماً من الصفيح، بل أرشيفٌ حي للنكبة وممانعة الظلم . ولذا، يحرص الاحتلال على تحويلها إلى فراغٍ جغرافي، كي لا تبقى سوى روايته وحيدة، فالهدم لا يستهدف البيوت فحسب، بل البنية التحتية، الشوارع الضيقة التي كانت تحمي الناس، وحتى المدارس والمراكز الصحية. إنه جرفٌ لذاكرة عمرها عقود، تمهيدًا لإحلال معمار أمني جديد.
![]() |
انفوغراف من سكاي نيوز عن الحواجز |
حين يردّ السكان تنشأ المقاومة المعمارية
ورغم كل ذلك، ف العمارة نفسها ليست اداة سيطرة دائمًا فقد نشأت مقاومة معمارية صامتة، منازل تُبنى دون تصاريح في القدس ومناطق ب الضفة، رغم التهديد بالهدم، كفعل تمسك بالأرض. معماريو المقاومة يوثقون، يرسمون، ويصممون مباني تحافظ على النسيج الاجتماعي والهوية جدران المخيمات تتحول إلى لوحاتٍ تخلد أسماء الشهداء، والأسطح تصير منصات مراقبة شعبية وحتى هندسات انشائية زراعية ترد الارض لاصلها وتنبئ الناس عن صاحب الارض الحقيقي ، وعليه نملك الوسع الكافي لان نتحدث عن
العمارة باعتبارها ذاكرة وهوية
فالبيت في الثقافة الفلسطينيةعلى هذا الاساس يمثل شهادة وجود. تهديمه ليس مجرد عقوبة، بل محاولة لمحو السردية. ومن هنا، تتحول إعادة البناء، والتمسك بالمكان، إلى فعل مقاومة ثقافية ومعمارية.
على أي حال
ما تبدوكأنها بنايات وجدر صامتة هي في حقيقتها خطاب سياسي واضح وما بين جدران تنبئ عن الهيمنة والجبروت واستعداء الناس ثمة بيوت صغيرة تحكي حكايات صمود وثبات ، ومع ان الصورة اليوم هي الاشد قتامة مذ عرفنا هذه الارض ومع فهمنا ان من يملك الجغرافيا والمكان يملك التاريخ الا اننا لانزال نتمسك بمعرفة واحدة راسخة مفادها نحن الاصحاب الحقيقيون لهذه الارض ونحن الرواية التي ستبقى .
كنت قد قرأت سابقا عن هندسة الفضاء الفلسطيني لعباد يحيى وبعض كتابات الشهيد باسل الاعرج الا ان هذه المادة الوثائقية المرئية قد توجز توضح المسالة كثيرا بعنوان
" عمارة التمرد" : الهندسة المعمارية للعنف ( ارض جوفاء : الهندسة المعمارية للاحتلال الاسرائيلي )
المصادر
- Al Jazeera – Architecture as a Tool of Oppression
- Wikipedia – Hollow Land by Eyal Weizman