"النملية" إرث رمزي لإدارة المؤن في أوقات الشدة
في ظل حرب الابادة والحصارالخانق الذي يحيط بغزة، تبرز كثير من الاسئلة من بينها سؤال عن آاليات واسباب الصمود ،حيث لا يمكن تجاهل حقيقة أن الحصار قد فرض واقعًا جديدًا، جعل من الصعب الوصول إلى المواد الأساسية، وأدى إلى ارتفاع الأسعار وتقليص الفرص التجارية وعليه ربما أصبح من الضروري أن نعيد التفكير في استراتيجيات الحفاظ على الموارد وتخزين المؤن.![]() |
نملية خشبية قديمة |
ماهي النملية ؟
ما هو اصل كلمة نملية ؟ ما سبب التسمية :
- التشابه مع أسلوب حياة النمل:
يُعتبر النمل أحد أكثر المخلوقات دقة في تنظيم حياة مجتمعها، وخاصة في ما يتعلق بتخزين الطعام. النمل يقوم بتخزين الحبوب والمواد الغذائية في مستعمراته خلال أشهر الصيف ليستفيد منها في فصل الشتاء. وهذا السلوك الفطري للنمل جعل العديد من الناس يربطون بين هذه العادة وبين النملية، حيث يتم تخزين الطعام بداخلها لشهور عديدة، حفاظًا عليه ليبقى صالحًا لاستهلاك العائلة في أوقات الحاجة. لذلك، كانت النملية تعتبر أداة عملية في الحفاظ على الطعام وتخزينه، مشابهة تمامًا لسلوك النمل في تكوين مخزون غذائي يُستخدم في الظروف الصعبة. - الشكل المميز للنملية:
يقال أيضًا أن النملية قد سُميت بهذا الاسم لأنها تشبه من حيث الشكل مساكن النمل. فالنملية تتخذ شكلًا تراتبيا محكمًا يشبه الشكل الذي يتميز به أعشاش النمل في الطبيعة. وبذلك، كانت النملية تلعب دورًا مشابهًا للمساكن التي يحتفظ فيها النمل بمخزونه من الطعام، حيث كانت النملية تخدم العائلة في تخزين الطعام الضروري لمواجهة أي نقص قد يحدث. - صد النمل عن الطعام المخزن:
من جهة أخرى، يرى بعض الناس أن التسمية جاءت لأن النملية تُستخدم كأداة لحفظ الطعام بعيدًا عن النمل. فالحاجة لتخزين المواد الغذائية في ظل الظروف الصعبة جعلت السكان يستخدمون النملية لحمايتها من الحشرات الصغيرة مثل النمل. كانت النملية تقوم بدور الحماية الفعّالة، مما دفع البعض للاعتقاد بأن اسمها يرتبط بتوفير الحماية للطعام من النمل، وهي كذلك كانت تساهم في مقاومة العوامل البيئية التي قد تؤثر على سلامة الطعام المخزن. - التجمع الكبير للنمل:
من الناحية الأخرى، وعلى العكس تماما من السبب السابق يمكن أيضًا أن يكون الاسم مستوحى من سلوك النمل في تجمعه على الطعام المخزن داخل النملية. رغم أن النملية تهدف إلى حماية الطعام، إلا أنه في بعض الأحيان يُلاحظ أن النمل قد يجد طريقه إلى الطعام داخل النملية ويبدأ في التجمّع حوله. هذا المشهد يمكن أن يكون قد أسهم في تسميتها بناء على هذه الظاهرة، بمعنى انها نملية لكثرة وجود النمل حولها !حين تصبح الخزانة حكاية شعب
كانت النملية تُبنى عادةً في مكان مرتفع او منعزل ونظيف من البيت، بعيداً عن الرطوبة، مصنوعة من خشب الزيتون عادة ، تحوي صفوفاً من البرطمانات الزجاجية المليئة بثمار الصيف المُجففة، وزيت الزيتون المعصور من أشجار العائلة، و البندورة المُجففة تحت أشعة الشمس. لم تكن هذه الخزانة مجرد أداة لتخزين الطعام، بل كانت مشروعاً عائلياً يُدار بحكمة ، الأم تشرف على التمليح، الأب يصلح أرفف الخشب، والأطفال يجمعون الأعشاب البرية ليُضاف نكهة إلى المخزون. كل عنصر فيها كان يحمل بصمة من صنع أيديهم، وكل برطمان يُختتم بقطعة قماش مربوطة بإحكام، كأنها عهدٌ بين الأجيال على الاستعداد لما قد يأتي.
الرمزية في التخزين وتحقيق الاستقرار
بلا شك، إن عملية التخزين في الوقت الراهن تتطلب بدائل حديثة ومتطورة أكثر من النملية، بدءًا من الأوعية المتطورة التي تحافظ على الطعام بشكل آمن، وصولًا إلى تقنيات حفظ الطعام الحديثة مثل المعلبات والمجمدات. ولكن، في سياق الأزمة التي تعيشها غزة وظروف الضفة الغربية الواقفة على برميل بارود ، فإن النملية تظل تشكل رمزًا مهمًا لفكرة التخزين طويل الأمد كوسيلة للبقاء.
الرمزية العميقة التي تحملها النملية تزداد أهمية اليوم أكثر من أي وقت مضى. في وقت تعاني فيه العديد من العائلات الفلسطينية من محدودية الموارد ونقص الغذاء بسبب الحصار، أصبحت عملية التخزين أكثر من مجرد مسألة بقاء، بل هي خيار استراتيجي لضمان الاستقرار المجتمعي. النملية تذكرنا بضرورة الاستعداد لمواجهة الصعوبات، وتخزين الطعام والماء في أوقات الوفرة استعدادًا للأوقات الصعبة.
هل نحن بحاجة إلى النملية اليوم؟
بالطبع، لا نحتاج اليوم إلى النملية التقليدية كما كانت تُستخدم في الماضي، ولكننا بحاجة إلى فكرة النملية: إلى فلسفة التخزين والتحضير لمواجهة الأزمات. اليوم لدينا بدائل أكثر تطورًا للحفاظ على الطعام والمياه. لكن تبقى فكرة الصمود والتخزين برمزية النملية ضرورة في الأوقات الحالية،خاصة حين تواجه الأسر الفلسطينية تحديات كبرى في توفير احتياجاتهم الأساسية.
إن إحياء فكرة النملية اليوم لا يعني العودة إلى استخدام أداة تقليدية بحد ذاتها، بل يعني استدعاء الحكمة التي كانت تُمثلها: "الاستعداد لما هو قادم". في الأوقات التي تزداد فيها الأزمات، أصبح من الضروري التفكير في كيفية الحفاظ على مؤننا وحمايتها لأطول فترة ممكنة، كما كان يفعل النمل في الصيف ليحمي نفسه في الشتاء.
التخزين كفعل مقاومة
عندما تُجبر غزة على العيش تحت الحصار، وتتوالى التهديدات للضفة الغربية يصبح كل كيس أرز مُخزن عملاً سياسياً. النملية هنا ليست مجرد استعداد للمجاعة، بل هي إعلانٌ بالرفض لسياسات التجويع، وتأكيدٌ على أن الحياة تستمر رغم كل المحاولات لكسر إرادة الناس.
دعوة للتفكير الاستراتيجي
النملية ليست دعوة للعودة إلى الماضي بمفهومها الحرفي، بل دعوة لتفعيل الفكرة نفسها في الزمن المعاصر. نعيش في وقت مليء بالتحديات والمخاطر، وعليه فإن الحاجة إلى التخزين أصبحت أكثر وضوحًا من أي وقت مضى. يجب أن نعترف بأهمية الاستعداد للمستقبل، كما فعل أسلافنا في الماضي، وأن نعمل على تخزين الطعام والموارد الضرورية بطريقة تجعلنا قادرين على الصمود في وجه الأزمات القادمة.
وفي النهاية، لا يمكن لأحد أن يتجاهل أن النملية كانت تعبيرًا عن الحكمة الفلسطينية في الأوقات العصيبة. اليوم، في زمن الحصار، يمكننا استحضار هذه الرمزية لتوجيه رسالتنا نحو التحضير والاعتماد على الذات، وتعزيز القدرة على الصمود والتغلب على الظروف الصعبة.
مواضيع ذات صلة :
كلمات مفتاحية :
نملية المطبخ
النملية القديمة
نملية شباك
نملية
ما هي النملية
نملية خشب
نملية حديثة
نملية مطبخ قديمة