مقترح ويتكوف بين الأمل والمخاطر الخفية
بعد أشهر من حرب دموية في غزة، لا يزال سؤال الغزيين المتعلقين بالامل والعالم من ورائهم " هل في هدنة بغزة ؟" يجيء الجواب من المبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف بخطة لوقف إطلاق النار وتبادل الأسرى، وشروط لهدنة جديدة في غزة 2025 وافقت عليها إسرائيل بينما تدرسها حماس بحذر، في حين ان الابواق المأجورة تنشر وتدعي ان حماس ترفض خطة ويتكوف بيد ان الواقع مختلف كثيرا ، على اي حال فان قراءة متأنية للمقترح تُظهر أنه ليس "ورقة إنقاذ" للغزيين، بل قد يكون فخًّا يكرر أخطاء الاتفاقيات السابقة. إليك تحليلا موسعا للمقترح اهم النقاط والمآخذ عليها :
![]() |
مقترح ويتكوف حول الهدنة في غزة - رمزية تعبيرية- |
الخطوط العريضة للمقترح:
1- وقف إطلاق نار مؤقت لمدة 60 يومًا
تضمن الولايات المتحدة التزام إسرائيل به.
2- تبادل الأسرى والرهائن:
- إطلاق 10 رهائن إسرائيليين أحياء و18 جثة في مرحلتين (اليوم الأول والسابع).
بالمقابل، تفرج إسرائيل عن:
- 180 أسيرًا محكومًا بالمؤبد.
- 1111 أسيرًا من غزة اعتقلوا بعد 7 أكتوبر 2023.
- 180 جثمانًا لمتوفين غزيين مقابل الجثامين الإسرائيلية.
- تتم عمليات التبادل على دفعتين (اليوم الأول والسابع) دون مراسم علنية.
3- المساعدات الإنسانية:
- البدء الفوري بإدخال المساعدات لغزة عند موافقة حماس.
- يتم التوزيع عبر قنوات مثل الأمم المتحدة والهلال الأحمر.
4- الأنشطة العسكرية الإسرائيلية:
- وقف كامل للعمليات الهجومية.
- وقف الطيران العسكري والاستطلاعي في غزة لمدة:
- ساعات يوميًا بشكل عام.
- ساعة يوميًا في أيام التبادل.
- إعادة انتشار الجيش الإسرائيلي:
اليوم الأول: انسحاب جزئي من شمال غزة وممر نتساريم.
اليوم السابع: انسحاب من جنوب القطاع.
إعادة الانتشار وفق خرائط متفق عليها خلال مفاوضات فنية.
5- المفاوضات خلال الهدنة:
- تبدأ منذ اليوم الأول بهدف الوصول إلى اتفاق دائم، وتشمل:
- ترتيبات أمنية طويلة الأمد.
- انسحاب إسرائيلي كامل.
- مستقبل غزة ("اليوم التالي").
- آليات تبادل الأسرى المتبقين.
6- تبادل المعلومات:
اليوم العاشر:
- تقدم حماس إثباتات حياة/وفاة عن بقية الرهائن.
- تقدم إسرائيل معلومات عن أسرى غزة وعدد الوفيات لديها.
7- الضمانات الدولية:
- تضمن الولايات المتحدة ومصر وقطر تنفيذ الاتفاق.
- يحق للطرفين تمديد الهدنة في حال استمرار المفاوضات بحسن نية.
- يتولى ويتكوف الإشراف الميداني على تنفيذ الاتفاق.
- إعلان الاتفاق يتم رسميًا من قبل الرئيس الأميركي ترامب.
قراءة تحليلية في المقترح والمآخذ عليه :
1. الهدنة المؤقتة (60 يومًا):
المأخذ :
- الضمانات الأمريكية غير مُلزمة قانونيًّا. فطوالتاريخ زاخر بخروقات اسرائيلية ولطاالما كانت اسرائيل تخترق الهدن مع وجود راعي وضامن و دون أي تبعات.
- المدة الطويلة (شهران) تمنح الجيش الإسرائيلي فرصة لإعادة تعبئة قواته، كما حدث في حرب 2014 التي تجددت بعد هدنة قصيرة.
- لا توجد آلية مراقبة دولية مستقلة لرصد الانتهاكات، مما يترك الباب مفتوحًا لذرائع مثل "العمليات الاستباقية".
2. صفقة التبادل
ما يقترحه: إطلاق 28 رهينة إسرائيلية (10 أحياء + 18 جثمانًا) مقابل 1300 أسير فلسطيني، بينهم 180 محكومًا بالمؤبد.
المآخذ :
- الصفقة تستثني نحو 5,300 أسير فلسطيني لا يزالون في السجون، بينهم أطفال ومرضى.
- المقاومة الفلسطينية تطالب بصفقة شاملة منذ 2006 (صفقة شاليط)، لكن إسرائيل تصر على التبادل التدريجي لتفكيك الملف.
- التركيز على الرهائن الإسرائيليين دون ذكر الأسرى الفلسطينيين في نص الاتفاق يُعزز سردية "الضحية الإسرائيلية" ويُهمش معاناة الفلسطينيين.
3. المساعدات الإنسانية
ما يقترحه: فتح معابر غزة لإدخال المساعدات تحت إشراف أممي.
ما يقلق المقاومة :
- إسرائيل تتحكم بكميات المساعدات وتوقيتها، كما حدث في حصار 2007-2023، حيث كانت تُدخل الطعام مقابل تنازلات سياسية.
- عدم وجود ضمانات لوقف تدمير البنية التحتية (المستشفيات، محطات المياه) يجعل المساعدات مجرد "مسكِّن مؤقت".
- تجربة "إعادة الإعمار" بعد حرب 2014 تُظهر أن إسرائيل تمنع إدخال مواد البناء بحجة "استخدامها عسكريًّا".
4. وقف الطيران الإسرائيلي
ما يقترحه: تعليق الطيران الحربي الإسرائيلي 10 ساعات يوميًّا.
المآخذ :
- السماح للطائرات بالتحليق 14 ساعة يوميًّا يعني استمرار الترهيب النفسي للمدنيين
- استخدام الطائرات المسيرة (الدرونز) للتجسس.
- في الهدنة الاخير شاهدنا جميعا كيف استغلت اسرائيل فترة الهدوء لجمع بيانات ومعلومات واضافتها لبنك اهدافها
5. الانسحاب من غزة
ما يقترحه: انسحاب تدريجي للقوات الإسرائيلية وفق خرائط تُحدد لاحقًا.
المآخذ :
- الخرائط قد تُبقي إسرائيل في نقاط استراتيجية (كمنطقة "نتساريم")، مما يعني تقسيم غزة إلى شمال وجنوب، كما حدث في سياسة الفصل بين الضفة وغزة منذ 2007.
- تجربة الانسحاب من غزة 2005 تُظهر أن إسرائيل قد تنسحب عسكريًّا لكنها تفرض حصارًا بريًّا وبحريًّا، وتحوّل القطاع إلى سجن مفتوح هذا طبعا على فرض انها انسحبت فعلا من كامل القطاع .
6. المفاوضات خلال الهدنة
ما يقترحه: بدء مفاوضات حول الأسرى المتبقين وترتيبات "اليوم التالي".
المآخذ :
- إسرائيل بارعة في تحويل المفاوضات إلى حلقة مفرغة..
- عبارة "اليوم التالي" غامضة، وقد تعني فرض شروط إسرائيلية حول نزع سلاح المقاومة أو تقاسم السلطة مع جهات فلسطينية موالية او اخطر من ذلك بكثير
7. الضامنون
ما يقترحه: أمريكا وقطر ومصر كضامنين للاتفاق.
المآخذ :
- الولايات المتحدة ضامن غير نزيه و لم تُوقف دعمها العسكري لإسرائيل خلال الحروب السابقة (3.8 مليار دولار سنويًّا).
- مصر وقطر، وبافتراض حسن النوايا لا تملكان أدوات ضغط على إسرائيل.
- لا توجد عقوبات على الانتهاكات، كما أن إسرائيل تمارس سياسة "الردع" التي تبرر أي عدوان لاحق.
8. دور ترامب
ما يقترحه: إعلان الاتفاق إعلاميًّا عبر الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب.
المأخذ :
الزجّ باسم ترامب في الواجهة يعطي الاتفاق طابعًا سياسيًا استعراضيًا أكثر من كونه مبادرة سلام حقيقية، ويطرح تساؤلات حول مدى جدية واشنطن في إنجاح المفاوضات بدل الترويج لإنجازات رمزية.
الخلاصة: لماذا يُنظر للمقترح بتحفظ؟
المقترح يبدو كـ"منقذ" للضحايا، لكن قراءة التفاصيل تكشف أنه:
- غير متوازن: ينحاز لشروط إسرائيل دون ضمانات ملموسة للغزيين.
- هشّ: معظم بنوده غير ملزمة، وتُترك التفاصيل الأهم (كحدود غزة ومستقبلها) للتفاوض لاحقًا.
- مكرر: يشبه مقترحات سابقة فشلت في تحقيق سلام دائم.
الى اين نحن ذاهبون ؟
حسنا هنالك سيناريوهين لا ثالث لهما :
السيناريو الأسوأ:
إذا فشل المقترح، ستعود إسرائيل إلى القصف بأعذار مثل "عدم التزام حماس"، بينما سيُتهم الفلسطينيون برفض "فرصة السلام". أما إذا نجح، فقد يصبح نموذجًا لاتفاقيات هشة تُكرس الاحتلال تحت مسمى "التهدئة".
السيناريو الأفضل:
أن تُستخدم الهدنة كجسر للضغط الدولي لإجبار إسرائيل على التفاوض حول حل دائم، لكن التاريخ يقول إن هذا يحتاج لشيء واحد: إرادة دولية حقيقية لمحاسبة المحتل… وهذا ما لم يحدث منذ 75 عامًا.
الجملة التي تلخص كل شيء:
"التاريخ لا يعيد نفسه، لكن إسرائيل قد تعيد لعبة الهدن المؤقتة لشراء الوقت وكسب المعارك الإعلامية، بينما غزة تُدفع ثمن الحلول الهشة مرتين: مرة تحت القصف، ومرة تحت طاولة المفاوضات".