recent
أخبار ساخنة

جحيم خلف الاسلاك،ناجون يتحدثون عن سجن سدي تيمان

 في قلب صحراء النقب المحرقة، حيث تغيب شمس العدل خلف أسلاك شائكة وأبراج مراقبة صمّاء و تذوب الخطى في رمال متشابهة  لا تعرف الرحمة، يقع "سدي تيمان" ثُقباً أسودا يبتلع إنسانية الإنسان تحت ستار الأمن والقانون. هنا، في هذا الفراغ الموحش على أرض فلسطين المحتلة، تنهار كرامة الأجساد وتُغتال الأرواح بصمت.

التعذيب في سجن سدي تيمان
 سكاي نيوز

جدران "سدي تيمان"  لم تعد قادرة على إخفاء فظائعه بعد أن فضحتها عدسات الفيديو المسرب. لقطات بشعة ومؤلمة ل أجساد معصوبة الأعين، أطراف مكدسة في أقفاص حديدية، أنين يُختنق تحت سياط التعذيب وجنود يحيطون بأسير ويرفعون درعوهم ليغطوا على المشهد المقزز حيث يتناوب بقية السجانين مع كلب مدرب على اغ ت صاب الاسير مشاهد لولا اننا رايناها لقلنا هذا اقصى ما قد يصل اليه مخرج افلام رعب ولا يمكن ان يكون حقيقيا لكنها بكل اسف لم تكن خيالاً، بل شهادة حية على منظومة قمعية منهجية.


نبذة تاريخية 

معتقل "سدي تيمان"  سيء الصيت والسمعة والذي اشتهر بعد الفيديوهات المسربة لاغت صاب الاسرى الفلسطينيين فيه هو منشأة عسكرية إسرائيلية تقع شمال غرب مدينة بئر السبع في صحراء النقب، ويعود أصلها إلى معسكر بريطاني أُنشئ عام 1942 خلال الحرب العالمية الثانية. في خمسينيات القرن الماضي، تحوّلت إلى قاعدة عسكرية إسرائيلية باسم "حقل اليمن" نسبةً إلى عملية تهجير يهود اليمن، ثم تطورت لتضم عدة وحدات عسكرية وأمنية مركزية. 

بعد السابع من  أكتوبر 2023، تم تحويل أجزاء من القاعدة إلى معسكر اعتقال مؤقت للفلسطينيين القادمين من قطاع غزة، بموجب قانون "المقاتلين غير الشرعيين" الذي يتيح احتجاز الأشخاص دون توجيه تهم لمدة تصل إلى 45 يوماً. خلال عام 2024، تصدّر اسم سدي تيمان عناوين التقارير الدولية والمنظمات الحقوقية بعد توثيق شهادات وانتهاكات جسيمة ارتُكبت بحق المعتقلين الفلسطينيين، من بينها التعذيب، والإذلال، وسوء المعاملة، مما دفع بعض وسائل الإعلام لوصفه بـ"غوانتانامو الإسرائيلي".

بعض من قصص وشهادات الناجيين من جحيم سيدي تيمان : 


الطبيب "الشاويش"  خالد حمودة، طبيب جراح من بيت لاهيا 

في 12 ديسمبر 2023، وبينما كان يتلقى العلاج من إصابة لحقت به جراء قصف إسرائيلي أسفر عن مقتل والده وزوجته وابنته، حاصر الجيش الإسرائيلي مستشفى كمال عدوان شمالي القطاع، وأمر الجميع بالمغادرة. اقتيد حمودة مع طاقم طبي إلى معسكر أنشأه الجيش في بيت لاهيا، حيث أجبروا على خلع ملابسهم والسير شبه عراة في الشوارع. هناك، بدأ فصل جديد من الإذلال: تصنيف، ضرب، وشتم، ثم نقل في شاحنة مغلقة إلى جهة مجهولة.

يقول حمودة إن الرحلة التي استغرقت ثلاث ساعات كانت بمثابة "رحلة نحو المجهول". كان البرد قارسًا، والضرب حتميًا لمن يجرؤ على الكلام. وحين توقفت الشاحنة، أنزلهم الجنود في ساحة إسفلت، أجبروهم على السجود مكبّلي الأيدي ومعصوبي الأعين، قبل أن يُنقلوا مجددًا إلى مركز اعتقال في منطقة لم يعرف أنها "سدي تيمان" إلا بعد الإفراج عنه.

هناك، بدأت فصول الجحيم الحقيقي: أجبر على الركوع ثلاثة أيام دون راحة، لا يعرف فيها الليل من النهار. ثم أوكلت إليه مهمة "شاويش" الزنزانة، بحجة أنه يتقن الإنجليزية ولا يملك "سجلًا أمنيًا"، ليصبح همزة الوصل بين الأسرى والسجانين. لكن هذه "الترقية" لم تعفه من الإذلال. فعندما تجرأ على الحديث مع أسرى آخرين، رُبطت يداه إلى أعلى وأُجبر على الوقوف لساعة كاملة. وعندما أفصح عن مهنته كجراح، تلقى سيلًا من الركلات والشتائم، وتُهمًا بأنه من نخبة كتائب القسام. 

زنزانته ضمت نحو مئة أسير، وتحت سياط السجانين حُرموا من النوم؛ إذ كان الجنود يطرقون جدران الصفيح طوال الليل لإبقائهم مستيقظين. الطعام بالكاد يسد رمقًا: رغيف، مربى، وقطعة جبن. لم يكن للمكان طعم الزمن، كل لحظة فيه تكرّس لعزل الأسير عن ذاته.

في 2 يناير 2024، وبعد 21 يومًا من الاعتقال، أُطلق سراح حمودة عند معبر كرم أبو سالم. أزيلت الأصفاد والعصبة عن عينيه، وسار مع رفاقه نحو معبر رفح، حيث استقبلتهم مركبة أممية. خرج حيًّا، لكن الندوب لم تغادر جسده وذاكرته .


شهادة الشهيد نايف نصار 

"كان يعرف أن كلماته الأخيرة ستُروى بعد استشهاده"

في صباح 18 نيسان/أبريل 2025، صار جسد نايف عبد اللطيف نصّار طيفًا متطايرًا في هواء غزة، بعدما مزّقت طائرات الاحتلال الطابق الخامس من منزل عائلته في حي الزيتون. لم يكن وحيدًا حين استشهد. لقد أُبيدت العائلة كاملة: والده عبد اللطيف، وأخواته الأربع — أماني، روان، حلا، وأسماء — وطفلة لا يتجاوز عمرها خمس سنوات، "جنان"، التي فقدت والدها وشقيقتها "سيلين" في قصف سابق قبل ثمانية أشهر.

نايف، ابن الثلاثة والعشرين عامًا، لم يسقط فجأة. لقد كان يحيا تحت الموت طويلًا. صمد وسط القصف، محاصرًا في بيته الذي حوّله قنّاصة الاحتلال إلى ثكنة، أُصيب في قدمه، واعتُقل بعدها، ليُزجّ به في السجون. 23 يومًا لم يكن فيها للألم سقف، ولا للجسد حدود، ولا للزمن نهاية.

72 ساعة بين الحياة والموت

بدأت فصول الرواية الدامية في 3 كانون الأول/ديسمبر 2023. كان نايف محاصرًا في شقته مع شقيقته أماني، تحاول تضميد جراح ابن خاله. لا شيء في المطبخ إلا تمرة وقارورة ماء، ولا شيء في الخارج سوى القنّاصة.

أُصيب نايف في قدمه، وبدأ ينزف ببطء. وجهه شحب كأن الروح خرجت من عينيه، وبدأ يتمتم بآية الكرسي. ثم اقتحم الجنود الشقة، تتقدّمهم الكلاب، وقد فقدت قدمه القدرة على حمله. ركلوه، وانهال أحدهم عليه على الدرج.فصل الجنود الرجال عن النساء، لطمه جندي، وانتزع هاتفه، وأبقى عليه فقط ملابسه الداخلية. قُيّدت يداه بثلاث مرابط بلاستيكية مؤلمة، وعُصبت عيناه برباط برتقالي، ثم أُجبر على الجثو أرضًا، رأسه مائل إلى الأسفل.اقتاده جندي آخر، فرّق بين قدميه، وبدأ يركل أعضاءه الحساسة ببسطار معدني. صرخ نايف، أغمي عليه، ثم أفاق على ضرب جديد. الجنود لم يرحموا حتى الغياب عن الوعي.

كان فقط يريد أن يمدّ قدمه المجروحة

في الليلة التالية، تجمّد نايف من البرد، والذباب يتكاثر على جرحه المكشوف، فصرخ: "رجلي مصابة... بدي أفردها". اقترب جندي، فرد ساقه بعنف، ثم دهسها ببسطاره الحديدي، وراح يسير فوقها كأنها حجر، لا لحم فيها ولا عصب.هاجمه الجنود بالعشرات، الضرب طال صدره، ورأسه، وجرحه، بينما هو يكتم صراخه. أحدهم أطفأ عشر سجائر على كتفه، وآخر سخّن سيخًا حديديًا ووضعه على الجهة الأخرى، ليتحوّل جسده إلى لوحة من الحروق والخراب.

ثلاثة أيام عطشٌ لا يُروى

بلا ماء، بلا طعام، بلا نوم، ظلّ نايف يصارع البقاء. في لحظة يأس، شرب من بوله. ليس لأنه لا يعرف مرارته، بل لأنه يريد أن يعيش.المرابط البلاستيكية شلّت يديه، توسّل أن يفكّوها، فكان العقاب ضربًا جديدًا. لاحقًا، فكّها ضابط واستبدلها بواحد، تمهيدًا لنقله.في الشاحنة المعدنية، طرحوه أرضًا. استطاع بجهد أن يحرر يده وينزع العصبة، فوجد نساءً وأطفالاً محشورين في نفس الصندوق. لم يستطع أن يسأل عن أماني.

 أجساد على الزينكو

غادرت الشاحنة غزة. وعند أول نقطة توقف، رشّ الجنود الماء البارد على الأسرى العراة، وأجبروهم على السير حفاة على الحصى. كان المعتقل محاطًا بأسلاك، سقفه من الزينكو، أرضه إسفلتية، لا بطانيات، لا وقت للاستحمام، لا فرصة لتغيير الملابس. نايف نام على إسفنجة لا تصلح لحيوان، بينما قدمه تنزف، وتتقيّح، وتتعفّن. وضعية الجلوس مؤلمة، وكان يُمنع من تغييرها. عاش أيّامًا طويلة معصوب العينين، مكبّل اليدين، محاطًا بأنين من حوله.


لقاء في الجحيم

حين نُقل إلى معتقل آخر، سمع نايف صوت صديقه مصعب أبو عجوة. توسّل للأسير المسؤول أن يضعه معه، فجمعهما السجن. تعانقا وبكيا في صمت. في اليوم التالي، استشهد أسير. كبّر المعتقلون غضبًا، فاقتحم الجنود الزنزانة، وسحبوا الجثمان، ومنعوا أي حزن. رائحة الدم اختلطت بروائح الاستفراغ، والبول، والجرح المتقيّح. منح مصعب بطانيته لنايف ليغطي بها قدمه، فشاهده أحد الجنود، وعلّقه على الأسلاك ساعات، الدم يقطر من كل موضع. في التحقيق، فكّوا العصبة عن عينيه. وقف أمام ضابطٍ يعرف أسماء أفراد أسرته، هدده بأنّهم جميعًا سيموتون، وبأنه سيُنسى.

رحلة العودة الناقصة

نادوا باسمه، مع تسعة آخرين، قال له مصعب: "رح تطلع!"، لكنّه لم يصدق. تعانقا. قال نايف: "بدنا نرجع سوا يا صاحبي".خرج نايف بعد 23 يومًا فاقدًا 15 كيلوغرامًا من وزنه، يسير على قدم واحدة، يحمل ذاكرة من الألم، وجسدًا لا يلتئم.

الوصيّة: لا تتركونا نُنسى

في مستشفى "أطباء بلا حدود" برفح، خضع لعملية جراحية بتخدير موضعي. الطبيب نضال عابد اخترق عظمه وأخرج كرات متكلّسة من قدمه، أخبره: "24 ساعة إضافية في الأسر، كنت ستفقد قدمك". 

لكن نايف خرج، لم يمهلنا وقتًا طويلًا، ففي أبريل، طارت روحه. رحل نايف، وترك وصيّة:

"انظروا إلى الأسرى. هم ليسوا أرقاماً. لهم وجوه، وأحلام، وأحبّة. اكتبوا عنهم. انشروهم. كُونوا أصواتهم خلف الزنازين".

حتى 15 أيار/مايو 2025، ارتقى 306 شهداء من الحركة الأسيرة، بينهم 69 استُشهدوا خلال حرب الإبادة. لا تزال هويات كثيرين منهم مجهولة.

لكن نايف قال اسمه، وكتب حكايته، وصار صوته حجرًا في وجه النسيان.


شهادة محمد ابوطويلة، مزج الكلور مع ماء النار للتسبب بالحروق ! 

في شهادته عن التعذيب في معتقل "سدي تيمان"، يروي محمد أبو طويلة، الأسير المحرر من حي الشجاعية بغزة، كيف حوّله الاحتلال إلى حقل تجارب بشرية باستخدام مواد كيميائية قاتلة. اعتقله الجنود في مارس/آذار 2024 من محيط مستشفى الشفاء، وهناك بدأ جحيمه. سكبوا على جسده الكلور ومياه النار، ثم رشّوا عليه معطّر الجو وأشعلوا فيه النار، لتشتعل النيران في جلده وتنبعث منه رائحة احتراق مؤلمة لا تُنسى.

بعد أربعة أيام من هذا التعذيب الميداني الوحشي، نُقل إلى معتقل "سدي تيمان"، وهناك استمرت الإهانة: عيون مغطّاة، وأيدٍ مكبّلة، بلا طعام أو دواء، في بيئة أشبه بمسلخ بشري. يقول أبو طويلة: "بقينا ثلاثة أشهر في سدي تيمان، لا نرى الشمس، ولا نسمع سوى صرخات المعذّبين، ولا نأكل إلا ما لا يُؤكل". لم يكن قادرًا على النوم من الألم، ولا على الحركة بسبب الحروق التي غطت جسده، وفقدَ بصره في عينه اليسرى كليًا بسبب المواد التي سُكبت عليه.

ورغم خروجه من المعتقل في شباط/فبراير 2025، لا تزال آثار "سدي تيمان" محفورة في جلده وأعماقه. "لم أخرج إلى الحياة، بل إلى معركة أخرى مع الجسد والذاكرة"، يقول محمد، مضيفًا: "أنا لم أنجُ وحدي، أنا أصرخ باسم من ما زالوا هناك... نحن لسنا أرقامًا، نحن أجساد محترقة تحكي ما لا يُحكى.


وديع البدي ، وفنون التعذيب النفسي في سدي تيمان

في شهادته عن جحيم سجن "سدي تيمان"، يروي وديع محمد عبد البدي، لاعب كرة القدم من بيت لاهيا والأسير المحرر، فصول تعذيب لا يمكن أن تمحى. اعتقلته قوات الاحتلال بعد تهجيره قسرًا من بلدته المدمّرة، بدعوى استجواب قصير، لكنه أمضى ستة أشهر في ذلك المعتقل الذي يصفه بـ"ثقب أسود للإنسانية".

وُضع وديع في قفص حديدي، وحرِم من ضوء الشمس طوال فترة أسره، طُلب منه إبقاء رأسه منخفضًا بشكل دائم، وتعرض لتعذيب نفسي قاسٍ؛ إذ أخبروه أن عائلته استُشهدت، وعرَضوا عليه صورًا لجثث قائلين إنها لأطفاله. "كانت صدمة عقلي قبل أن تكون صدمة قلبي"، يقول وديع، مضيفًا: "حين رأيت عائلتي بعد الإفراج عني لم أصدق أنهم ما زالوا أحياء".

لم يكن وديع مقاتلًا أو ناشطًا سياسيًا، بل رياضيًا ومزارعًا، لكنهم عذّبوه كما لو كان خصمًا، حتى أصيب في الحوض، وخسر قدرته على الركض ولعب الكرة، وفقد من وزنه ما جعل أسرته لا تتعرف عليه.

خرج من "سدي تيمان" محطمًا جسديًا ونفسيًا، وعاد إلى خيمة في أرض مهجّرة بعد أن دُمّر منزله بالكامل. يقول: "من يدخل سدي تيمان يُفقد اسمه وصورته وماضيه… ومن يخرج منه، لا يعود كما كان".



تحديث بتاريخ 18 -6  -2025 

إفادات جديدة تكشف عن "الجحيم" الذي يعيشه معتقلو غزة في سدي تيمان 

كشفت هيئة شؤون الأسرى والمحررين، ونادي الأسير الفلسطيني، عن شهادات صادمة وردت في إفادات جديدة أدلى بها أسرى من قطاع غزة، تحتجزهم سلطات الاحتلال الإسرائيلي في سجون ومعسكرات مختلفة. وتوثّق هذه الإفادات، التي جُمعت خلال زيارات قانونية أُجريت بين أواخر أيار وبداية حزيران الجاري، حجم الانتهاكات التي يتعرض لها المعتقلون، من تعذيب ممنهج، وتحقيقات قاسية، إلى ظروف اعتقال تصفها الشهادات بأنها "لا إنسانية"، حيث شبّه بعض الأسرى السجون بـ"القبور" ووصفوا ما يعيشونه فيها بـ"الجحيم".وبحسب معطيات إدارة سجون الاحتلال، بلغ عدد المعتقلين من قطاع غزة المحتجزين داخل السجون فقط حتى مطلع حزيران، نحو 2214 أسيرًا، وهو رقم لا يشمل من يتم احتجازهم في المعسكرات العسكرية المؤقتة أو الدائمة.

وأفادت الهيئة والنادي بأن الإفادات جُمعت من أسرى محتجزين في كلٍّ من سجن "النقب"، ومعسكر "عوفر"، ومعسكر "سديه تيمان"، بالإضافة إلى قسم "ركيفت" التابع لسجن "نيتسان الرملة".وتضمنت الشهادات تفاصيل عن انتهاكات جسيمة مورست داخل مراكز التحقيق والاحتجاز، كان أبرزها ما رواه أحد المعتقلين، حيث قال إنه تعرّض للضرب بقضيب حديدي على رأسه أثناء التحقيق معه، ما ترك آثارًا جسدية ونفسية عميقة.

شهادة المعتقل (ع. ي) : 

 المحتجز في قسم "ركيفت"، روى في إفادته تفاصيل قاسية عن تجربته مع التحقيق والتعذيب التي بدأت منذ اعتقاله من مستشفى الشفاء في آذار/مارس 2024. حيث خضع لتحقيق ميداني استمر لمدة 8 ساعات متواصلة، تعرض خلالها للضرب بواسطة "سيخ - قضيب حديد" على رأسه، ما تسبب له في جرح عميق بفروة الرأس، ولا تزال آثار الإصابة واضحة بشكل كبير حتى اليوم. كما يعاني (ع. ي) من مشاكل في النظر وشعور مستمر بالدوخة، نتيجة لما تعرض له من تعذيب.

وفي آب/أغسطس 2024، خضع لتحقيق آخر استمر لمدة 16 يومًا في أحد المعسكرات العسكرية الواقعة في محيط غلاف غزة، حيث تم استخدام أسلوب تحقيق يعرف باسم "الديسكو"، وهو أحد أشكال التعذيب النفسي الذي يعتمد على تعريض المعتقل لأصوات صاخبة وعالية لفترات طويلة، وهو الأسلوب الذي طبق بشكل واسع على معتقلي غزة بعد مجازر الإبادة.

كما تعرض المعتقل (ع. ي) لتحقيق عسكري مرتين، استخدم فيه المحققون أسلوب التعذيب بالماء، حيث كانوا يسكبون الماء عمدًا على رأسه، رغم أن الإصابة التي لحقت به في الرأس خلال التحقيق الأول كانت لا تزال تسبب له التهابات حادة في فروة الرأس، أدت إلى خروج قيح منها، مما زاد من معاناته الجسدية والنفسية.

خلال تواجده في مركز تحقيق "عسقلان"، تعرض لتعذيب صارم باستخدام تقنية "الشبح"، المعروفة أيضاً باسم "الموزة"، وهي طريقة تعذيب تعتمد على الضغط المكثف على الجسم باستخدام أربطة محكمة تقيّد حركة المعتقل، مما يسبب آلامًا شديدة في جميع أنحاء الجسم. ووفقًا لإفادته، استمرت جلسات التعذيب هذه لفترات طويلة، مع حركات قسرية متكررة، كان لها أثر مدمر على حالته الصحية. كان المعتقل يُحضر بين الحين والآخر أشخاصًا يُعرفون باسم "العصافير" - وهم مُخبرون أو معتقلون متعاونون - للحديث معهم، وهو أمر يسبب له حالة من التوتر والرعب. مع بداية العام الجاري، تم نقله إلى قسم "ركيفت" الذي يقع تحت سجن "نيتسان – الرملة". وقد ركزت إفادته على ما تعرض له قبل نقله إلى "ركيفت"، حيث لاحظ المحامي الذي زاره أن حالته النفسية كانت متدهورة للغاية، إذ كان يظهر عليه علامات الرعب والخوف الشديدين، ولم يكن قادرًا على الحديث بحرية عن الظروف التي يعيشها في "ركيفت".

وأشار المعتقل إلى أن الأسرى هناك يتعرضون بشكل مستمر للشتائم والإهانات، كما يُجبرون على شتم أمهاتهم، وهو ما يزيد من تعميق الألم النفسي والمعاناة. كما تستمر عمليات القمع المتواصلة التي تشمل رش الغاز المسيل للدموع داخل الأقسام، بالإضافة إلى استمرار سياسة كسر الأصابع كوسيلة لتعذيب الأسرى وكسر إرادتهم.

المعتقل (ي.أ)،

 الذي اعتُقل منذ كانون الثاني/ يناير 2024، أفاد بأنه خضع لتحقيق ميداني استمر لمدة ساعة عقب اعتقاله مباشرة، ثم تم نقله إلى ما يُعرف بـ"البركسات"، وهناك باشرت المخابرات بالتحقيق معه، حيث تعرض للضرب منذ اللحظات الأولى. وبعد فترة وجيزة، تم تحويله إلى أحد أشكال التحقيق القاسي المعروف باسم "الديسكو"، والذي تخلله تعذيب وحشي شمل الضرب العنيف، والشبح، ما تسبب له في حالات متكررة من فقدان الوعي. وعلى الرغم من ذلك، استُكمل التحقيق معه، وتعرض خلاله لمزيد من الضرب الشديد، حتى أن القيود التي كانت توثق يديه انخلعت بفعل شدة العنف، بينما كان تركيز الضرب على منطقة الرأس، حيث عمد المحققون إلى نتف شعر رأسه بصورة متعمدة.

لاحقًا، تم نقله إلى معسكر "عوفر"، حيث بقي هناك لمدة 18 يومًا، قبل أن يُحوّل إلى قسم "ركيفت" الكائن في سجن الرملة. وفي "ركيفت"، لم تتوقف الانتهاكات بحقه، فقد تعرض مجددًا للضرب، والسبب – كما أفاد – أنه لم يكن يستطيع النوم بشكل طبيعي نتيجة للإصابات التي لحقت به خلال التحقيق، وهو ما اعتبره السجانون "سلوكًا غير منضبط"، فقاموا بالاعتداء عليه وضربه بذريعة "الإزعاج". وأشار إلى أن جميع المعتقلين هناك يخضعون للمراقبة المستمرة على مدار الساعة.

يعاني اليوم من كسور في الأضلاع تمنعه من النوم، إضافة إلى مشكلات صحية متعددة في الأذنين والعينين، وألم دائم في الكلى. وقد نقل المحامي الذي زاره أنه حين سأله عن أوضاع الاعتقال داخل قسم "ركيفت"، بدأ المعتقل بالبكاء بشكل لا إرادي، وكانت علامات الرعب والخوف الشديد بادية عليه بوضوح.


أما المعتقل (أ.ي)، 

والمعتقل أيضًا منذ كانون الثاني/ يناير 2024، فقد خضع لتحقيق استمر ليومين بعد اعتقاله مباشرة، ومن ثم جرى نقله إلى ثكنة عسكرية أقيمت داخل أحد المنازل في قطاع غزة. بعد ذلك، تم نقله إلى ما يسمى بـ"البركسات" في منطقة الغلاف، حيث بقي هناك لمدة 9 أيام تعرض خلالها لتحقيق عنيف، شمل الضرب والتحقيق بأسلوب "الديسكو"، إضافة إلى ما وصفه بـ"التحقيق العسكري"، والذي استخدم فيه المحققون أسلوب "الشبح" على الكرسي لمدة وصلت إلى 36 ساعة متواصلة. في وقت لاحق، نُقل إلى سجن "عسقلان"، وهناك خضع للتحقيق ما بين خمس إلى ست مرات، وتعرض خلال إحدى الجلسات لتعذيب شمل إجباره على الجلوس على ركبتيه لمدة ساعتين إلى ثلاث ساعات، تلاها ضرب مبرح على نفس الموضع، ما سبب له آلامًا حادة ومستمرة. وبعد فترة من التحقيق المتواصل في "عسقلان"، نُقل إلى زنازين سجن "عوفر"، حيث لا يزال محتجزًا حتى اليوم.

المعتقل ( ل.ع ) 

تم اعتقال المعتقل (ل.ع) في شهر كانون الأول/ ديسمبر 2023 من منزله الكائن في مدينة غزة، رغم كونه ضريرًا ويعاني من أمراض ومشاكل صحية متعددة. وفي إفادته القانونية، ركز (ل.ع) على الظروف المأساوية التي يواجهها معتقلو غزة في سجن "النقب"، مسلطًا الضوء على عملية قمع وحشية تعرض لها القسم الذي يُحتجز فيه مؤخرًا. ووفقًا لما رواه، اقتحمت قوات القمع القسم بذريعة التفتيش، وقامت بإخراج المعتقلين بالقوة، واعتدت عليهم بالضرب المبرح، ثم احتجزتهم في قفص حديدي مكشوف لأكثر من ثماني ساعات متواصلة، تحت ظروف مهينة وقاسية.

عقب تلك العملية، فرضت إدارة السجن سلسلة من العقوبات الجماعية بحقهم، كان أبرزها حرمانهم من الخروج إلى ساحة "الفورة"، وهو الإجراء الوحيد الذي يسمح فيه للمعتقلين بالخروج من الزنازين لبعض الوقت. وعلى الصعيد الصحي، أفاد المعتقل (ل.ع) أنه يعاني منذ فترة من آلام حادة في البطن والكلى، إلى جانب إصابته بمرض "الجرب" (السكابيوس)، دون أن يتلقى أي نوع من العلاج أو الرعاية الطبية.

ويُشار إلى أن المعتقل (ل.ع) هو واحد من مئات الأسرى من قطاع غزة الذين اعتُقلوا بعد الهجوم الإسرائيلي الشامل، وقد فقد عددًا كبيرًا من أفراد عائلته خلال مجازر الإبادة دون أن يُبلّغ رسميًا بذلك. ومن بين من فقدهم: زوجته، وثلاثة من أبنائه، واثنتان من حفيداته، بالإضافة إلى زوجة شقيقه وأبنائه.


حتى الجنود الاسرائيلييون تحدثوا !

في شهادة صادمة، كشف جندي احتياط إسرائيلي، خدم في معسكر "سدي تيمان" خلال حرب غزة، عن فظائع مروعة ارتُكبت بحق معتقلين فلسطينيين مدنيين، معظمهم لا ينتمون لحماس. أكد أن بعض المعتقلين قضوا تحت التعذيب، وأن آخرين خضعوا لعمليات جراحية دون تخدير، وتُركوا بلا طعام أو علاج، وأُجبروا على التبول والتغوط على أنفسهم. 

الجندي، الذي نشر شهادته في صحيفة "هآرتس"، وصف المعسكر بأنه "موقع للموت والتعذيب"، واتهم الإعلام الإسرائيلي بالتستر على الانتهاكات وتقديمها كحوادث فردية، رغم أنها سياسة ممنهجة بعلم قيادة الجيش. شهادته تضاف إلى تقارير حقوقية تؤكد أن ما يجري في "سدي تيمان" يتجاوز مجرد تجاوزات فردية، ليشكل منظومة تعذيب جماعية تنتهك كل القوانين الدولية.

المعتقل (ب.ة) 

محتجز في سجن "النقب" منذ الرابع من كانون الأول/ ديسمبر 2024، وتم اعتقاله رغم إصابته البالغة في منطقة الظهر. وبعد مرور 15 يومًا على اعتقاله، تم نقله إلى المستشفى، حيث خضع لعملية جراحية، إلا أنه وعلى الرغم من حاجته الماسة لاستكمال العلاج والمتابعة الطبية، أُعيد إلى السجن في اليوم التالي مباشرة. ووفق إفادته، وصف المعتقل رحلة اعتقاله بأنها كانت بمثابة "جحيم متواصل"، إذ لم يكن يعلم إلى أين سيُنقل، أو ما هو وضعه القانوني، فضلًا عن ما تعرض له من عمليات تعذيب واعتداءات جسدية، وجرائم طبية ممنهجة، بالإضافة إلى سياسة التجويع المتبعة بحق جميع المعتقلين.

وأشار المعتقل (ب.ة) في شهادته إلى أن الأسرى في سجن "النقب" يعيشون تحت واقع قاسٍ من التجويع والإهمال، حيث يقومون بجمع ما يُقدّم لهم من طعام على مدار اليوم، وهو بالكاد يكفي، ثم يتناولونه دفعة واحدة ليلًا، على اعتبارها الوجبة الوحيدة التي تسندهم في ظل الانتهاكات المستمرة وظروف الاعتقال المهينة.


المعتقل (د.ت) 

اعتُقل في كانون الثاني/ يناير 2024، وبعد نقله إلى سجن "عوفر"، تعرض لأزمة قلبية حادة نتيجة التعذيب والتنكيل الشديد بحقه. وقد صرّح بأنه يعمل طبيبًا، وهو ما كان كافيًا لتصعيد وتيرة الانتهاكات ضده؛ إذ بمجرد أن علم السجانون بمهنته، أجبروه على الانحناء والركض، وعندما لم يستطع تنفيذ الأمر بسبب حالته الصحية، قاموا بسحله وضربه بوحشية، مما تسبب له بأزمة قلبية حادة. لاحقًا، وفي أيار/ مايو 2024، نُقل المعتقل إلى سجن "نفحة"، حيث أعيد الاعتداء عليه وضربه مجددًا لنفس السبب المتعلّق بمهنته. بعد ذلك، جرى نقله إلى سجن "النقب"، وهناك تم عزله في زنزانة انفرادية لمدة 24 يومًا، في ظروف لا تمتّ للحد الأدنى من مقومات الحياة الآدمية بصلة. الزنزانة كانت تفتقر حتى لدورة مياه، وكان يتعرض للضرب والإهانات باستمرار على مدار الوقت، في عزل تام عن العالم الخارجي.

إفادة المعتقل (د.ت) لم تكن استثناء، بل جاءت متوافقة تمامًا مع إفادات أخرى أدلى بها عدد من معتقلي غزة في سجن "النقب"، والتي كشفت عن نمط ممنهج من المعاملة المهينة والمذلة، حيث تحوّل إجراء "العدد" أو ما يُعرف بالفحص الأمني إلى محطة للتنكيل، كما أن الخروج إلى ساحة السجن (الفورة) تحوّل هو الآخر إلى مساحة للعقاب الجماعي. الأمراض تنتشر بكثافة، وخاصة مرض الجرب (السكابيوس)، حيث أفاد بعض المعتقلين بأنهم أُصيبوا به منذ أكثر من عام ولم يتلقوا أي نوع من العلاج. كما أن هناك عددًا من المعتقلين الذين يعانون من أمراض مزمنة، ويُحرمون من العلاج بشكل كامل، في سياق سياسة الإهمال الطبي التي ترقى إلى مستوى الجرائم الطبية الممنهجة.



كيف نحكي عن الجحيم 

 في هذا الفضاء الموبوء والفراغ القانوني والأخلاقيالمسمى سدي تيمان ، تتحول الأيام إلى ليالٍ بلا نجوم، والليالي إلى كوابيس ممتدة تنزف ألماً. جدران تنطق بصمت مخيف، لكنها تحمل في طياتها أصداء آلاف الصرخات التي خنقها الظلم وهذه ليست رواية من نسج الخيال، بل هي وقائع مريرة تنبض بالحياة والموت في قلب فلسطين ، تاركة ندوباً لا تمحى على جسد الضمير الإنساني. فكيف يُحكى عن الجحيم وهو قائم بيننا؟

إن ما يحدث في "سدي تيمان" ليس حالة استثنائية، بل مرآة لسياسة منهجية تقوم على الإذلال والتنكيل وسحق الكرامة الإنسانية. وفي ظل صمت دولي مريب، يصبح توثيق هذه الشهادات واجبًا أخلاقيًا ووطنيًا، لإبقاء القضية حية، ولئلا يُدفن صوت الضحايا تحت ركام النسيان.


مواضيع ذات صلة

كرة القدم في لضفة الغربية بين الاصالة و التدجين 

google-playkhamsatmostaqltradent